من أساليب التربية في القرآن الكريم
ذكر الصالحين
إن الأذن لترتاح لسماع أخبارهم ، وإن النفس لتتشوق إلى تعرُّفِ أحوالهم ومتابعة أفعالهم ، فهم القدوة والمثل ، والراغب في الكمال يتأساهم ويتحسس خطاهم .
وقد كان القرآن الكريم يقصُّ علينا أخبار الأنبياء الكرام ، فنحسُّ بالقمم الإنسانية الشامخة ترنو إلينا ، فستنهض هممنا .
ويقص علينا أخبار الصالحين من غير الأنبياء ، الذين كان لهم الدور الكبير في نشر كلمة لا إله إلا الله ، وإعلائها ، وتَحَمُّلِ الأذى ، والصبر عليه .
ولسنا هنا في صدد سرد المواقف كلها ، لكننا نعرض نُبذاً لدور هؤلاء العظماء في خدمة الدين ، ورفع شأنه .
1ـ الأنبياء
سيدنا نوح عليه السلام : ذلك النبي العظيم ، من أولي العزم ، الذي مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم ، ثم كانت قصة الطوفان الذي قضى على الكفار بعد ذلك ، ونصر الله به نوحاً وأتباعه .
وهناك ما لا يقل عن إحدى وعشرين سورة ذكرت فيها قصته ، ذُكر فيها وحده لبيان فضله ، أو ذكر مع إخوانه الأنبياء صلوات الله عليهم جميعاً .
وفي الجزء التاسع والعشرين سورة كاملة باسمه عليه السلام ، أما قصّة الطوفان فقد صورت تصويراً رائعاً في سورة هود الآيات [ 25 ـ 49 ] .
سيدنا هود عليه السلام : ذلك النبي الكريم الذي أرسل إلى قوم عاد ، فكفروا به ، وكانوا عمالقة متجبرين ، فأرسل الله عليهم الريح العقيم ، فحصدتهم وأبادتهم .
وهناك حوالي سبع عشرة سورة ذكرت فيها قصته عليه السلام مع قومه ، توضح عنادهم واستكبارهم وفسادهم الذي أدى إلى هلاكهم ونجاة النبي هود وأتباعه .
سيدنا صالح عليه السلام : النبي الكريم الذي أرسل إلى قومه ثمود بعد إهلاك عادٍ قوم هود ، فدعاهم إلى التوحيد ، فلما استكبروا وقتلوا الناقة أهلكهم الله بالصيحة ، فما أبقى منهم أحداً ، وقد ذكرت قصته عليه السلام في أكثر من عشرين سورة في القرآن الكريم ، لتكون وقصة أخيه هود مع أقوامهما عبرة للدعاة من جهة ، والمعاندين المستكبرين من جهة أخرى .
سيدنا إبراهيم عليه السلام : هو أبو الأنبياء عليه السلام ذكرت قصته في خمس وعشرين سورة على الأقل ، تتحدث عن جهاده في سبيل الله وقوة إيمانه ، وفضل الله عليه في اطلاعه على ملكوت السموات والأرض ، وحججه الدامغة في مناظرته الكافرين وقوة إيمانه ، وسموِّ مكانته ، ويكفيه فخراً أن الله سبحانه وتعالى اتخذه خليلاً ، وجعله أمة وحده ، وهو الذي بنى الكعبة المشرفة مع ابنه اسماعيل عليهما السلام ، ثمّ رزقه الله اسحاق وبشره بحفيده يعقوب لأنّ إبراهيم عليه السلام صدّق الرؤيا ونفـّذها .
سيدنا موسى عليه السلام : ذلك النبي العظيم من أولي العزم ، أرسله الله إلى قومه اليهود ، فابتلي بهم ، وتحمّلَ منهم الأذى والمكايد والعناد ، وأنقذهم من فرعون الذي استضعفهم وسخّرهم ، فكانت نجاتهم على يد النبي العظيم موسى عليه السلام .
وقد حفل القرآن بقصته مع قومه ، وهناك ما لا يقل عن ثلاث وثلاثين سورة توضح جوانب من دعوته ، وتَحَمُّلَه سوءَ أخلاق قومه وفسادَهم ، وتكاد السور الكبيرة الحجم والوسطى لا تخلو من مواقف لقومه ، يوبخهم الله تعالى على ما اقترفت أيديهم وألسنتهم .
سيدنا عيسى عليه السلام : ذلك النبي الشابُّ من أولي العزم الذي بعث إلى اليهود ، فحاولوا قتله ، فنجاه الله منهم ، وامتحنت فيه الخلائق حين ولد دون أب ، فجعلوه ابن الله سبحانه تارة ، وجعلوه الله ذاته ـ والعياذ بالله ـ وألّهوهُ وأمّهُ تارة أخرى ، وهو إحدى علائم الساعة ، ينزل فيكسر الصلبان ، ويقاتل الكفار ، ويدعو إلى التوحيد .
ذكرت قصته في أكثر من اثنتي عشرة سورة توضح ما لقيه من ظلم اليهود ومكرهم .
سيدنا يوسف عليه السلام : النبيّ الكريم ابن الكريم ( يعقوب ) ابن الكريم ( إسحق ) ابن الكريم ( إبراهيم ) عليه السلام .
وقد ذكر في سورة الأنعام ، وسورة غافر إلا أن له سورة سميت باسمه في الجزأين الثاني عشر والثالث عشر ، تقص علينا مراحل حياته وما عاناه ، لتكون تثبيتاً لفؤاد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان عليه السلام مثالاً للأخلاق والإيمان والذكاء . . بل قل مثالاً للإنسان المعصوم ، الذي رباه الله تعالى على عينه .
وهناك قصص الأنبياء العظام : إسماعيل ويونس ، وذي الكفل وزكريا ، ويحيى وإسحق ويعقوب وهارون ، وشعيب وآدم وداوود وسليمان . . . وكثيرين غيرهم عليهم صلوات الله وسلامه ، تتحدث عن فضلهم ، وعلوِّ كعبهم في خدمة الدين . .
2ـ الصالحون :
لقمان الحكيم الذي شكر الله ، فآتاه الله الحكمة فكان داعية إلى الله ، يعظ الناس ، ويدلهم إلى الصراط المستقيم ، وقد أفرد الله تعالى سورة في الجزء الحادي والعشرين سماها باسمه " سورة لقمان " فيها من المواعظ التي جرت على لسانه ما ينبئ بعظمته ، وسموِّ مكانته .
الخضر عليه السلام : صاحب موسى الذي آتاه الله رحمة من عنده ، وعلمه من لدنه علماً ، وقصته في سورة الكهف منبئة عن علمه وفضله. الآيات [ 60 ـ 82 ] . وبعضهم يعتبره نبياً والله أعلم .
ذو القرنين : الذي مكن الله تعالى له في الأرض ، غربها وشرقها ، فنشر الإسلام ، وقاتل الكفار ، وبنى سدّ يأجوج ومأجوج ، وقصته في سورة الكهف [ 83 ـ 98 ] .
مؤمن يس : فقد أرسل الله تعالى ثلاثة من الأنبياء إلى إحدى المدن ، يدعون أهلها إلى الإيمان ، فكذّبوهم ، فجاء " حبيب النجار " يسعى إلى جمعهم مؤيداً هؤلاء الأنبياء الكرام ، فما كان من المجرمين إلا أن قتلوه ، فدخل الجنة معززاً مكرّماً ، وقصته في سورة يس الآيات [ 20 ـ 27 ] .
مؤمن فرعون : الذي آمن بموسى واتبعه دون خوف من فرعون وملئه ، ودعا الناس إلى الإيمان بالله تعالى واتباع موسى ، فهو سبيل الرشاد ، وخوّفهم من عذاب الله ومصير الأمم السالفة ، وموقفه في سورة غافر الآيات [ 28 ـ 44 ] .
ـ وهناك قصص عديدة لهؤلاء المؤمنات الصالحات :
منهن السيدة مريم العذراء ، وقصتها في سورة آل عمران الآيات [ 35 ـ 37 ] ، وفي سورة مريم ، حين ولدت عيسى عليه السلام ، الآيات [ 16 ـ 32 ] ، وسورة التحريم .
ومنهنَّ آسية ، زوجة فرعون ، التي طلبت من فرعون حين التقطت موسى عليه السلام من النهر أن يبقيَ عليه ، وعرضت عليه المراضع . . وحين رأت من زوجها الاستكبار والكفر ، سألت الله تعالى أن ينقذها منه . . وقصتها في سورة التحريم ( آخرِها ).
ومنهنَّ أم موسى ، تلك المرأة المؤمنة ، التي أوحى إليها الله تعالى أن تضع ابنها في النهر ، إن خافت عليه جنود فرعون ، ووعدها أنه سبحانه سيعيده إليها ، ففعلت مؤمنة مطمئنّة ، وحرّم الله المراضع على موسى ، وكانت أخته تتبعه ، وتتقصّى موضوعه ، فدلتهم على أمِّه ترضعه ، فعاد إليها ، ونعم بدفء حنانها . وقصتها في سورة القصص الآيات [ 7 ـ 13 ] .
تلك أخبار الصالحين وقصصهم ، تتقبلها النفس تقبُّل العطشان للماء البارد فتنتعش نفسه ، وتستروح لها ، وتستمد من نسماتها الإيمان واليقين والصبر والمصابرة ، وتعيش في أجوائها ذات اليمن والبركات .
اللهم إنا نحبُّ أنبياءك وأولياءك ، فاحشرنا معهم تحت لواء سيد المرسلين ، صلى الله عليه وعليهم أجمعين ....
اللهمَّ آمين .